من غير وداع

العامية أدب الشعب، صوت الطبقات الممتدة عبر ربوع الأقاليم، وجع الغلابة الطيبين، لغة الشارع اليومى، والتحليق بالحلم البرىء لدى الفقراء والمهمشين؛ وهى لغة المثقفين كذلك.. ولقد تنوعت ايقاعات العامية ما بين اليومى والحياتى، والواقعى والتخييلى، وبين المُغْرِقُ في الرمز، والمباشر الإحالى الرامز؛ ويعزى هذا التنوع إلى البيئة التى يعيشها الشاعر، والظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية المحيطة به،علاوة إلى الظرف التاريخى والأيديولوجى، ومدى الحرية التى يتمتع بها العصر؛ولربما جاء هذا التنوع ضمن ثقافة الشاعر، ومدى تعبيريته عن الذات والكون والعالم والمجتمع كذلك؛ أو تطلعاته إلى التجريب، مع التمسك في ذات الوقت بالموروث الكبير للشعر العامى الذى جسد نبض الشارع المصرى في كافة العصور والحقب المتتابعة لقد ارتبط الشعر العربي بالغناء عبر العصور؛ وشاعرنا الجميل دكتور أبو العلا عارف هو شاعر يسمو بالحروف؛ ويغني للحياة والحب؛ بل أنه يكتب تاريخ الحب عبر ذاته؛ ورؤيته الكونية عبر سرد معزوفات الروح التي تعزف كونشيرتو الحب والجمال؛ عبر سيمفونية الوجع والحزن والفراق واللوعة والعذاب والشجن؛ وهو في كل الأحوال يقدم لنا قصائده الغنائية التي تنشد جمال اللحن في الحرف؛ وجمال التصوير عبر المعنى؛ وجمال الشعر عبر التصوير والتخييل؛ وسرد الواقع الذي يجمع المحبين والعشاق في أحلامهم؛ كما يكشف عن صعوبات كثيرة يتعرض لها المحبون والعشاق من خلال المجتمع والناس؛ وهو بهذه الأغاني الجميلة يقدم لنا الشعر الإنساني البديع لتاريخ الحب والعشق الإنساني عبر الذات والكون والعالم والحياة؛ ولقد استطاع بمهارة عارف وخبير بلغة الحب ودروبه أن يكشف لنا الكثير من أوجه الجمال لذلك الحب الإنساني الممتد عبر العالم والحياة.

وشاعرنا الجميل الدكتور أبو العلا عارف في ديوانه : (من غير وداع) يعرج بنا على – كل ما سبق – في اطار من الوعى بتاريخ شعر العامية؛ فنراه يستخدم الخطاب الشعرى كوسيلة لتشاركية القارىء، أو الجمهور الأدبى، ولعل ذلك يتبدَّى جليا في قصيدته الرائعة "مش بإيدي" والتي يستخدم فيها تيار الوعى، وحضور الشاعر عبر صورة المحبوبة الوطن ويتغنى بالذات الموجوعة، إنه يقدم الأعنية المموسقة عبر روحه الجميلة المنسابة؛ والمهراقة على الكون والعالم والحياة؛ حيث إن القصيدة الغنائية تخاطب الروح وتفتح مساحة للعاطفة ممتدة؛ وتعيد اكتشاف الذات والعالم عبر السرد الشعري الغنائي؛ أو موسيقا الغناء الحزين. إنه الشاعر الذى يتماهى بالحزن، عبر الإزاحة، والمفارقة، واستدعاء الموروث الجميل للشعر العربى المعاصر.

ودكتور أبو العلا عارف – هنا - هو الشاعر الجوال في دنيا الحياة، يكتب الموال بحكمة شاعر ويفلسف الوجود عبر الكتابة واليقين، للدلالة إلى مرارة الواقع المحيط، لكنه عبر الإزاحة يغيد فلسفة روحه المحبة العاشقة؛ حيث الحب هو جوهلا الديوان؛ نحو المحبوبة والحياة.