0 نجمة - 0 صوت
يعقوب الشاروني
تصنيف الكتاب: كتب أطفال
عدد الصفحات: 48
حجم الكتاب: 4.7 MB
مرات التحميل: 2798
لم تكن شمس الصباح قد أشرقت بعد، من وراء التلال المحيطة بالمدينة التي يسكن فيها السلطان، عندما أقبل رجل تبدو عليه مظاهر الطيبة والصلاح، واتجه نحو باب دكانه الذي يواجه قصر السلطان، ووضع المفتاح في قفل الباب. وقبل أن يديره. رفع يديه ووجه إلي السماء، وقال في صوت يفيض بالإيمان: "يا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم.. قدرتك يارب كبيرة، وعلي كل شئ قديرة، حتي إذا سقط شئ في البحر، فقدرتك تعيده إلي البر". ثم أدار المفتاح ورفع مزلاج الباب وفتحه، ودخل وهو يصغي إلي صياح الديكة يتجاوب في أنحاء المدينة، وزقزقة العصافير في حديقة القصر السلطاني تملأ جو الصباح بهجةً وجمالاً.
وكان السلطان ينام في سريره الواسع الوثير، ونافذة حجرة نومه مفتوحة، يتسلل منها هواء الصباح الباكر المنعش. وفي اللحظة التي كان الرجل يقول فيها دعاءه. كان السلطان يحلم بأنه تزوج من أميرة جميلة، لكن صوت الرجل المرتفع قطع علي الساطان أحلامه، فهب من فراشه مذعوراً، وتذكر أن هذا الصوت نفسه كثيراً ما أقلقه من نومه فصاح غاضباً: "من هذا الذي يقلقني بصوته فجر كل يوم، ويحرمني متعة النوم الهادئ والأحلام الجميلة؟".
وصفق في غيظٍ منادياً حارسه: "يا مسرور.. يا مسرور". وأسرع مسرور فزعاً إلي حجرة سيده، فقد كانت رنة الغضب واضحة في صوته. وما إن دخل حتي بادره السلطان قائلاً: "من هذا الذي يتطاول علينا، ويقلق راحتنا ونومنا؟". فقال مسرور مضطرباً: "ليس هناك من يجرؤ علي إزعاجك يا مولاي أو يقصده!". فقال السلطان: "في صباح كل يوم، أسمع صوتاً عالياً يوقظني من نومي، وصاحبه ينادي قائلاً: يا فتاح.. يا رزاق!!".
وتنفس مسرور في ارتياح وهو يقول: "لعل مولاي يعني مرزوقاً!" فسأل السلطان: "من مرزوق هذا؟". فأجاب مسرور: "إنه الصائغ الذي يواجه دكانه قصر مولاي". فعاود السلطان غضبه وهو يقول: "لماذا يفتح دكانه قبل أن تشرق الشمس؟ ولماذا يقول ذلك الكلام الفارغ الذي يثير الضحك؟!.. من يصدق أنه إذا وقع شئ في البحر يمكن أن يعود مرة أخري؟! يا مسرور، استدع لي وزيري حالاً. سوف ألقن مرزوقاً هذا درساً لن ينساه. وقل للوزير أن يحضر معه خاتمي الثمين، ذا الياقوتة الكبيرة، التي تساوي ألف ألف دينار".
وخرج مسرور مهرولاً وهو في حيرة من أمر السلطان، وفيما ينوي أن ينفذه مع وزيره وأبلغ مسرور أمر السلطان إلي الوزير، فأسرع الوزير إلي خزانة القصر، وأخذ منها الخاتم، وتوجه مسرعاً إلي سيده. ولم يمض وقت طويل، حتي شاهد أهل القصر السلطان مع وزيره يخرجان من باب القصر الرئيسي، ويعبران الطريق، ويدخلان دكان الصائغ مرزوق.
فوجئ مرزوق بالسلطان مع وزيره يدخلان دكانه الصغير، وخشي أن يكون قد ارتكب ذنباً. لكن الوزير طمأنه. ولم يلبث السلطان أن أخرج الخاتم الثمين. وقال لمرزوق: "هل تري هذا الخاتم؟ إن به ياقوته ثمنها ألف ألف دينار، وأنا أخشي عليه من الضياع، لذلك جئتك لتصنع لي خاتماً مثله تماماً. وتضع به بدلاً من الياقوتة قطعة زجاج تشبهها، حتي أتزين بالخاتم المزيف. ولا أستخدم الخاتم الثمين إلا في المناسبات الهامة".
بماذا تقيّمه؟