0 نجمة - 0 صوت
ابتسام ناصر بن هويمل
تصنيف الكتاب: كتب علمية
عدد الصفحات: 31
حجم الكتاب: 1.7 MB
مرات التحميل: 19184
يعتبر علماء المسلمين هم أول من طرحوا المنهج التجريبي الذي نقله عنهم فيما بعد علماء الغرب هروباً من الفكر الكنسي، فقد وُجد هذا المنهج لدي المسلمين قبل قرون عديدة من ظهور بيكون وأصحابه، بل أعلن بعض هؤلاء في صراحة تامة أنه من الخطأ أن ينسب ابتكار المنهج التجريبي إلي مفكري الغرب وأنه كما يقول "بريفولت" في كتابه تكوين الإنسانية "ليس لفرانسيس بيكون ولا لسميه من قبله يقصد (روجر بيكون) أن يدّعيا اكتشاف المنهج التجريبي إذن أن كل ما قدماه في ذلك إنما هو العلم المسروق من العرب"، فقد استطاع علماء المسلمين بجهودهم -أمثال ثابت بن قرة والحسن ابن الهيثم وابن سينا وجابر ابن حيان- الربط بين العلم والتجريب، والإهتداء إلي المنهج العلمي التجريبي ومن ثم إرساء قواعد العلوم الطبيعية، وذلك قبل أن يفطن إليها الأوروبيين بمئات السنين.
فقد كان للمنهج التجريبي الأثر الجلي في تقدم العلوم الطبيعية، فبواسطته تمكن الإنسان من اكتشاف ما يمكنه اكتشافه من الأسباب الكامنة وراء ظهور الظاهرات الطبيعية، ولم يقتصر أثره علي هذا وإنما استطاع الإنسان بواسطته أن يعرف إلي أي مدي يؤثر السبب في النتيجة، مما يجعل من السهل إحداث أي تغيير إصلاحي علي الظاهرة المراد دراستها.
ونتيجة للأثر الكبير الذي أحرزه تطبيق المنهج التجريبي في العلوم الطبيعية، حذت العلوم السلوكية حذوها وحاولت الإستفادة من تجربتها فبدأ علماء السلوك بتطبيق المنهج التجريبي علي الظاهرت الإنسانية التي يسلكها الإنسان بهدف تشخيصها ومعرفة أسبابها، ومن ثم معرفة مدي أثر تلك الأسباب علي الظاهرة المدروسة، أو بهدف محاولة توجيه سلوك الإنسان إلي ما هو أحسن.
إلا أن المنهج التجريبي في العلوم الطبيعية يختلف عنه في العلوم الإنسانية والإجتماعية. وذلكبسبب اختلاف طبيعة الظواهر في كلا المجالين، فالظواهر في العلوم الطبيعية يمكن قياسها بدقة متناهية، وهذا راجع إلي قدرة الباحث علي التحكم بالمتغيرات المؤثرة في الظواهر بدرجة عالية من الثبات والصدق والموضوعية.
أما الظواهر الإنسانية والإجتماعية فهي تتصف بالتعقيد نظراً لتأثر تصرفات الفرد ومواقفه واتجاهاته بمقومات شخصيته والتي هي تركيبة معقدة من العوامل الجسدية والذهنية والمزاجية والإنفعالية، فتختلف إجابات الأشخاص المبحوثين ومواقفهم تجاه أي مشكلة، كما أنها قد تختلف بالنسبة لنفس الشخص من وقت إلي آخر حسب حالته النفسية ووضعه المزاجي في بعض الأحيان.
إن الفكرة التي يقوم عليها البحث التجريبي تتلخص في أنه إذا كان هناك موقفان متشابهان في جميع النواحي ثم أُضيف عنصر معين إلي أحد الموقفين دون الآخر أو حذف عنصر معين من أحدهما دون الآخر فإن أي اختلاف في النتائج يعزي إلي وجود هذا العنصر المضاف أو إلي غياب هذا العنصر، فالباحث في الدراسة التجريبية يقوم بوضع فرض واحد أو عدة فروض توضح العلاقة السببية المتوقعة بين بعض المتغيرات، وتجري التجربة الفعلية لتؤكد صحة أو عدم صحة الفرض التجريبي.
ويذكر العساف أن المنهج التجريبي هو المنهج الذي يستطيع الباحث بواسطته أن يعرف أثر السبب (المتغير المستقل) علي النتيجة (المتغير التابع).
بماذا تقيّمه؟