0 نجمة - 0 صوت
د/ أحمد خالد مصطفي
تصنيف الكتاب: قصص وروايات
عدد الصفحات: 312
حجم الكتاب: 8.1 MB
مرات التحميل: 1822
أغنية بابلية قديمة بصوت عجوز ولغة بابلية قديمة كان يغنيها.. ويحرك رأسه طرباً.. كان صوته رخيماً جميلاً.. لكن موسيقي الخلفية لم تكن متوافقة مع جمال صوته.. لقد كان يغني علي صوت أنغام تسرح في المرعي.. أغنام يهش بعصاه عليها من آنٍ لآخر.. لقد كان سعيداً.. ومن ذا الذي يمشي في مثل هذه الطبيعة الساحرة ولا يكون سعيداً.. نحن في مملكة آشور القديمة قرب مدينة بابل.. أعظم مدينة رأتها عين إنس أو جن في التاريخ.. وهذا الراعي ذو الصوت الرخيم هو العجوز "إيشما".
"ولما يأتي المخلص العظيم.. ستتحررين بالتأكيد"
قبل أكثر من أربعة آلاف عام.. كانت الأرض غير الأرض.. والسماء غير السماء.. كان "إيشما" يمكنه أن ينظر إلي البركة التي يمشي بجوارها فيري كل أسماكها وأصدافها وكأنه ينظر إلي الطيور في السماء.. قبل أكثر من أربعة آلاف عام.. كل شئ كان طاهراً شديد النقاء.. ويبدو أن "إيشما" العجوز قد قرر أن يستريح قليلاً.. فتوجه إلي شجرة قريبة اعتاد أن يترك عندها طعامه.. ولما وصل إلي طعامه نظر إليه بدهشة.. لقد كان مفتوحاً.
هؤلاء اللصوص الفقراء لن يتعلموا أبداً.. لو أنهم سألوه طعاماً لأعطاهم.. لكنهم يؤثرون السرقة.. تأبي نفوسهم مسألة الناس وترتضي سرقتهم.. لكن "إيشما" قد استغرب جداً لما أعاد النظر إلي الطعام.. فبرغم أن الكيس مفتوح.. إلا أن الطعام موجود والحليب موجود.. لكن الجُبن مأكولة منه قطعاً صغيرة جداً.. والحليب ناقص نقصاً يسيراً لا يسمن ولا يُغني من جوع.. جلس "إيشما" وأكل وشرب واستراح في ظل الشجرة.. ثم قرر أن ينزل ليغتسل في البركة.. وكما يفعل الرعاة الذين يستحمون في البرك في كل الممالك القديمة.. خلع ملابسه كلها ونزل إلي الماء.
بينما "إيشما" العجوز يستحم.. كان ينظر إلي متاعه من آنٍ لآخر نظرات لا شعورية.. وفجأة أتي سرب من الحمام جميل المنظر وحط عند طعامه.. وأخذ الحمام ينقرون الجبن نقرات صغيرة ويملأون مناقيرهم الصغيرة بالحليب في مشهد غريب ثم يطيرون عائدين إلي طعامه.. فينقرون ويملأون مناقيرهم ثم يطيرون إلي المكان ذاته.
خرج "إيشما" من البركة وارتدي ملابسه البابلية القديمة.. لكنه لم يتجه إلي متاعه.. بل اتجه إلي ذلك المكان الذي تطير إليه الحمائم بهذا الحماس الغريب.. وهناك وجد شيئاً اتسعت له عيناه العجوزتان فيدهشة وانبهار؛ وجد طفلة جميلة ابنة التسع سنوات لم ترَ عيناه بمثل جمالها.. لكن ليس هذا ما أدهشه.. ما تسعت عيناه له انبهاراً هو أن الحمائم كانت تحيط بها وتطعمها وتسقيها من مناقيرها لبناً.
كانت الطفلة تضحك وتحرك يديها بسعادة.. ولما اقترب منها "إيشما" ضحكت له ضحكة نزلت لبراءتها دموعه الحانية.. وبعقلية راعٍ بابليّ قديم كان ما يشاهده يعني شيئاً أسطورياً ما.. حملها "إيشما" برفقٍ ورفعها إلي السماء.. وكانت الحمائم تطير من حولهما بسعادة لم يجد لها تفسيراً.. نظر "إيشما" إلي عينيها الصغيرتين الجميلتين.. إنها المرة الأولي التي يري فيها طفلة لديها هذه الرموش الرائعة.. قرر "إيشما" أن يأخذ هذه الطفلة معه ليربيها.. وقرر أيضاً أن يسميها اسماً أوحاه إليه الموقف.. سماها "محبوبة الحمائم".. الإسم الذي كان لما يُنطق بالبابلية القديمة يبدو مألوفاً.. كان ينطق بالبابلية "سميراميس".
بماذا تقيّمه؟