سجن العقرب

يسير منكبّا على وجهه، عندما لمح ببصره بالقرب من منطقة سكنه كمينا أمنيا مشددا، استوقف عددا من المارة ومارس معه ضباطه وامناؤه اساليبهم المعتادة فى الشد والجذب والضرب والسباب ايضا، لم ينتبه لقميصه الذى ارتداه وقد دونت عليه بلون احمر كالدم عبارة "وطن بلا تعذيب". قميص اعتبره المفضل لديه لانه يعكس حلم شاب مثله فى رؤية وطنه افضل من بقية الاوطان والبلاد.

كان "محمد مظلوم" شابا فى الثامنة عشر من عمره، طالبا فى السنة الاولى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والد محمد ميسور الحال، ليس فقيرا او ذا مستوى معيشى متدنى كونه موظفا حكوميا، لكن سنواته الطوال فى حمل عهده ثقيلة على عاتقه ارضاء لوطنه وضميره، ويقينه بتقلبات الزمن واوجاعه دفعاه كى يعيش حياته حريصا، بل مقترا على اسرته، كان يظن انه يؤمن لهم مستقبلا لا صوت فيه يعلو فوق صوت المال.. أيام قليلة ويسلِّم الرجل عهدته ومفاتيح خزنته التي لم تعرف الإنتعاش المالي يوماً وكأنها قنطرة يتسرسب منها الماء قطرات حتي يموت من ينتظرها عطشاً.. سنوات طوال ردّ فيها مضطراً العاملين بمصلحته الحكومية خائبي الأمل لأن القبض الشهري تأخر كالعادة، وهو أمر يفوق إرادته.. كثيراً ما ابتسم ابتسامة خفيفة وهو يجلس مع زوجته وابنه الوحيد يتندر فيما بعد المعاش؛ أي جلباب سيرتدي، وأي مقهي سيقصده للعب الطاولة.

لم ينتبه محمد إلا علي صوت أجش قادم إليه من ضابط مفتول العضلات.. كلمة أطلقها الضابط وتبعها بإشارة برأسه لأحد أفراد الكمين أن احتجزوه داخل "البوكس".. محمد يرتعد خوفاً وعقله يفكر فيما قد يحدث بعد ساعات؛ بل لحظات…