0 نجمة - 0 صوت
د/ أحمد فؤاد الأهواني
تصنيف الكتاب: كتب الفلسفة
عدد الصفحات: 228
حجم الكتاب: 6.9 MB
مرات التحميل: 7084
الفكر جوهر الإنسان وحقيقته، وبه يتميز عن الحيوان، وبفنونه وألوانه يرتفع الفرد علي الفرد، وتسمو الأمة علي غيرها من الأمم. وألوان الفكر كثيرة تبدأ من الحس، وترتفع مع اجتماع ما يكسبه المرء بالحس إلي التجربة، وتسمو مع تهذيب التجربة إلي الفن، ثم يجرد الفن في علوم نظرية هي أصول الفنون المختلفة. وأخيراً يحلق الفكر في عالم الفلسفة وهي أشرف العلوم. وقد بين أرسطو في أول كتاب ما بعد الطبيعة هذا التدرج الطبيعي في تاريخ الإنسانية من الحس والتجربة إلي الفن والعلم ثم إلي الفلسفة، وهو تدرج يتفق مع رقي الفكر، ونشأة الفرد من الطفولة إلي الرجولة إلي الكهولة. ولا تزال الفلسفة حتي اليوم أعلي من العلم، فهي التي تهديه وتنير له الطريق، ولا يزال أمل العالم بعد أن يستكمل علمه أن يصبح فيلسوفاً.
وأفلاطون هو أنبغ نوابغ الفكر، وأول الفلاسفة، وأشهر الحكماء، وهو أول من أنشأ المدارس الفلسفية العظيمة فكانت الأكاديمية إحدي مدارس أربعة أثرت أعظم الأثر في الحضارة القديمة، وهذه المدارس الأربعة هي الأكاديمية والمشائية والرواقية والأبيقورية. وقد ظلت مدرسته قائمة في أثينا حيث أنشأها تسعة قرون حتي أغلق الإمبراطور جستنيان أبوابها وطرد فلاسفتها. ثم استمرت الأفلاطونية مؤثرة في الفكر حتي الوقت الحاضر. وقد قيل إن الفلسفة نبتت علي يديه، واكتملت في حياته، وما سائر الكتب الفلسفية بعد ذلك إلا شروح علي مؤلفاته، وهوامش في أسفل صفحاته.
وجدير بمن كانت هذه منزلته أن نتوج بالحديث عنه نوابغ الفكر في الغرب والشرق علي السواء، لأنه ضرب في كل فن، وطرق كل باب، وبحث في كل علم، وأرسي قواعد الفلسفة، وشيّد قواعد العلم. وهو أول من كتب في المدينة الفاضلة. وأول من حاول إصلاح المجتمع بتطبيق الفلسفة علي السياسة، وأول من حلل النظم الإجتماعية وعرف طبائعها.
والإجماع منعقد علي أن الحضارة الغربية ثمرة أفلاطونية، فقد تسربت إلي المسيحية وصبغتها بالمثالية، وقعّدت قواعدها، وتعلمها جاليليو فوضع علم الفلك الحديث. وسار العلم منذ ذلك التاريخ حتي اليوم علي سنة التفسير الرياضي الذي ذهب إليه أفلاطون.
وتسربت الأفلاطونية إلي الحضارة الإسلامية، واتجهت في أول أمرها وجهة أفلاطونية قوية تبدو في الكندي وفي الفارابي صاحب الجمع بين رأيي الحكيمين والذي كتب في المدينة الفاضلة متأثراً خطي صاحب الأكاديمية. واليوم تجد الأفلاطونية شائعة بين الناطقين بالضاد. فنحن نقرأ عن الحب الأفلاطوني، والبحث الأكاديمي، والتفكير المثالي، وغير ذلك مما يجري علي كل لسان ويعرفه كل مثقف، ولكنه قد لا يعرف ما وراء ذلك في فلسفة تنادي بهذا الضرب من الحب، أو هذا اللون من البحث، أو هذا اللون من التفكير.
هذا إلي أن أفلاطون أول من حارب المادية حتي قضي عليها بقوة جدله وعظمة فلسفته وتأييده القول بالعناية الإلهية.
بماذا تقيّمه؟