0 نجمة - 0 صوت
د/ محمد خير عرقسوسي
تصنيف الكتاب: كتب الفلسفة
عدد الصفحات: 220
حجم الكتاب: 4.7 MB
مرات التحميل: 4546
كُتب في علم النفس والدراسات النفسية كتب عديدة، يعتبر بعضها مراجع قيمة، غير أننا نلاحظ علي هذه المراجع، وأمثالها مما يخص العلوم الإنسانية عامة، أن المؤلفة منها لا تزيد علي المترجمة أو المعربة، أحياناً، بأكثر من أنها اختصار لما ورد في مجموعة من المراجع الأجنبية بدلاً من الإقتصار علي مرجع واحد، فهي إذن ترجمات أيضاً.. ولكنها ترجمات متنوعة المصادر.
ولا يهمنا هنا أن نبرز ما أدت إليه هذه الترجمات بنوعيها: - ذات المرجع الوحيد، أو ذات المصادر المتعددة - من اضطراب في االمصطلحات، أو تشوش في الأفكار.. الخ، لأننا نعتقد أن القارئ الواعي قادر علي تخطي هذه العقبات. ولكن الذي يهمنا هنا: أن نذكر أن العلوم الإنسانية تختلف عن العلوم الطبيعية والمادية، اختلافاً أساسياً، في أنها تتأثر تأثراً كبيراً - سواء في النظريات العلمية أو في التطبيقات - "بالخلفيات" الفكرية التي يصدر عنها صاحب النظرية أو مجتمع التطبيق.
ولقد كان تأثير الخلفيات علي نتائج التجارب النفسية والإجتماعية كثير من الباحثين، حسبنا أن نستشهد هنا بما يقوله "أوتو كلينبرغ" في كتابه "علم النفس الإجتماعي"، حيث يقول: (إن علماء النفس يزدادون بإستمرار وعياً "للثقافة"، ولقد استخدموا هذا النوع من المواد استخداماً كبيراً في كتبهم الخاصة، وعندما ينقلون نتائج بحث تجريبي، تم في جماعة معينة، فإنهم يعرفون أن النتائج، التي ينتهون إليها، لا يمكن أن تصدق، بصورة مشروعة، إلا علي هذه الجماعة، وأنه لابد من شهادات جديدة لكي يستطيعوا تعميم مكتشفاتهم).
وإذا كان أثر الخلفية الثقافية بارزاً في التجارب الإنسانية، وكان الموقف العلمي يقضي بأن نحتاط لهذه الخلفيات عند الأخذ بتائج التجارب العلمية الموضوعية الواقعية، فما بالك "بالنظريات العلمية" التي سميت نظريات لأنها تمثل وجهة نظر معينة، ولا يمكن أن تخرج وجهة نظر مؤلف معين عن إطار "ثقافته العامة" التي تشمل العادات الفكرية، والعقائد، وجميع ما يسمي "بالأيديولوجيات". وقد انتبه كثير من علماء الغرب، مثلاً إلي أثر الخلفية اليهودية علي آراء ونظريات "فرويد"، وربما كان ذلك سبباً في انفصال تلامذته من المسيحيين أمثال "يونغ" عنه، ولقد كتب الغربيون في ذلك كتباً مثل كتاب "باكان" Sigmund Freud And The Jewish Tradition.
وقد ظهرت كتابات قليلة في اللغة العربية في الموضوع. أجودها وأبرزها كتاب الدكتور صبري جرجس، الذي نشره في "عالم الكتب" في مصر سنة 1390 ه - 1970 م تحت عنوان "التراث اليهوي الصهيوني والفكر الفرويدي".
ويقول صبري جرجس من الكتاب نفسه" (وأيما كان الأمر فإنه، مما يزعم "لفرويد" من موضوعية علمية، فإن هذه الموضوعية كانت تنصهر تحت وهج التوحد مع "الذاتية اليهودية الصهيونية"، التي كانت الموجه الأكبر له في كل ما فكر وما كتب).
فإذا كان وجود "خلفية" في كتابات العلماء المحدثين، قد وضح بالأمثلة السابقة فإنه ولا شك عند العلماء السابقين أوضح.
إذن لا شك أن الدراسات اليونانية تستند إلي "خلفية" تمثل عقيدة اليونان في عصر سقراط وأفلاطون وأرسطو طاليس.
ولا شك بالمقابل أن تكون الدراسات التي نمت في الجو الإسلامي، سواء علي أيدي المسلمين أو علي أيدي غير المسلمين، متأثرة من قريب أو بعيد "بالخلفية" الفكرية الإسلامية.
ولا بد لنا قبل الحديث عن "ابن سينا" من إعطاء فكرة موجزة عن معالم تلك "الخلفية الإسلامية"، ولذلك سنبدأ بحثنا بفصول مقتضبة تبين:-
وبعد هذه المقدمات يمكننا أن نستعرض أفكار "ابن سينا" النفسية والتربوية. لنبين في الخاتمة ما يرجع من هذه الأفكار إلي الخلفية الإسلامية، وما يرجع إلي الخلفيات الدخيلة عليها.
بماذا تقيّمه؟