0 نجمة - 0 صوت
د/ عاطف علبي
تصنيف الكتاب: كتب علمية
عدد الصفحات: 319
حجم الكتاب: 4.7 MB
مرات التحميل: 9981
المنهج المقارن (Comparative Method)، وهو إصطلاح عام يشير إلي إجراءات تهدف إلي توضيح وتصنيف عوامل السببية في ظهور ظواهر معينة وتطورها، وكذلك أنماط العلاقة المتبادلة في داخل هذه الظواهر بينها وبين بعضها البعض، وذلك بواسطة توضيح التشابهات والإختلافات التي تبينها الظواهر التي تعد من نواحٍ مختلفة قابلة للمقارنة.
هذا وتنبغي الإشارة إلي أنه لم يكن إستخدام طرق المقارنة في المعطيات الإجتماعية والتاريخية غير معروف في الأزمنة الماضية. لقد كانت هذه الطرق المقارنة محوراً اساسياً في أعمال رواد علم الإجتماع الحديث، أمثال ابن خلدون، وكذلك فيكو ومنتسكيو، وإليهما يعزي تطور ونمو العلوم الإجتماعية. وكان واضحاً وبارزاً إستخدام طرق المقارنة هذه وتطبيقها في الظواهر الإجتماعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بالذات. فاوغست كومت تأثر كل التأثر بتقدم العلوم الطبيعية في أواخر القرن الثاني عشر، تلك العلوم التي كانت تستخدم بنجاح ظاهر وواضح طرقاً من هذا النوع، لذلك أقر علي استخدامها بدوره في علم الإجتماع.
وتتضمن طريقة المقارنة موازنة عقلية لحالات مجتمعات بشرية هي هنا تكون متعاصرة لكنها مستقلة بعضها عن بعض. ولقد تقدم علم الإجتماع والأنثروبولوجيا بفضل داروين الذي استخدم طرق المقارنة قي الدراسة التاريخية التتبعية لنمو الظواهر. وتمتاز هذه الدراسة عن الدراسات المورفولوجية المبنية علي دراسات المعطيات المعاصرة. ويؤكد ابن خلدون في مقدمته ضرورة استخدام طريقة المقارنة بقوله : "إن الباحث يحتاج إلي اللعلم بإختلاف الأمم والبقاع والأعصار في السير والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وسائر الأحوال، والإحاطة بالحاضر من ذلك، ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق أو ما بينهما من الخلاف وتعليل المتفق منهما والمختلف". لكن ابن خلدون حذر في الوقت نفسه من المبالغة في قياس الغائب علي الحاضر، وبيّن ما ينبغي اتخاذه من احتياط حتي لا نحكم علي ظاهرة ماضية حكمنا علي أشباهها من الظاهرات الحاضرة مع ما يكون بينهما من اختلاف فيما يكتنف كلتيهما من شؤون.
ملفت للنظر هنا دور ابن خلدون في هذا المنهج المقارن الذي يمكن نعته بالتاريخي، وكما مر معنا أنفاً لدي استعراضنا المناهج عند العرب، وتأثر هذا المنهج بالحتمية الجغرافية والذي اعتبر كشفاً وموقفاً إيجابياً وتقدمياً بالنسبة لذاك الزمان.
هذا ويقصد بهذا الإصطلاح (المنهج المقارن) في علم الإجتماع طريقة للمقارنة بين مجتمعات مختلفة، أو جماعات داخل المجتمع الواحد أو نظم اجتماعية للكشف عن أوجه الشبه والإختلاف بين الظواهر الإجتماعية وإبراز أسبابها وفقاً لبعض المحكات التي تجعل هذه الظواهر قابلة للمقارنة كالنواحي تاتاريخية والاتنوغرافية والإحصائية. ويمكن الوصول عن طريق هذه الدراسة إلي صياغة النظريات الإجتماعية.
فكما نري، يقوم الأمر علي المقارنة في كل شئ كما لدي الموسوعة الفلسفية أيضاً، حيث يرد بمروحة أوسع تتعدي علم الإجتماع إلي اللغة والتاريخ والحضارة. فالمنهج المقارن هنا هو "منهج لبحث الظواهر الثقافية التي يستدل منها علي القرابة في التكوين أي علي وجود أصل مشترك، بإثبات التشابه في الصورة. والمنهج المقارن يعيد إنتاج ويقارن أقدم العناصر المشتركة في الميادين المختلفة للثقافة والمعرفة". وكان الكسندر فون همبولدت وبصفة خاصة أوغست كومت، مسؤولين بشكل رئيسي عن تطور المنهج المقارن. وقد حظي بتطور لاحق في القرن التاسع عشر علي أيدي أصحاب فقه اللغة المقارن. يكوب جريم، وأوغسن فريدريك بوت، وأوغست سلانجر (ألمانيا)، وفرديناند دي سوير (سويسرا)، وعلماء اللغة الروسية أي.أ. بودوين دي كورتيني، وأ.ن فيسيلوفسكي، وأ.ك فوستوكوف، وف.ف فورتوناتوف .. الخ، وقد "دُفع بذلك المنهج المقارن إلي الأمام بعلم اللغات (بما هي مرآة الحضارة) وعلم وصف السلالات والقصص الأسطورية. وعلي أية حال ركز المنهج المقارن علي التشابهات الخارجية للأشكال الحضارية والإيدولوجية، في حين أهمل العلاقات الإجتماعية المادية التي تسبب ظهورها . وهذا جانب من جوانب النقص في المنهج المقارن المأخوذ به في البحث التاريخي الحديث كعامل مساعد لعدد من النماذج في التفسير الجوهري لتاريخ الحضارة". هذا النقص تلافاه الكثير منا عند الأخذ به.
بماذا تقيّمه؟