0 نجمة - 0 صوت
د/ عصام سليمان
تصنيف الكتاب: كتب السياسة
عدد الصفحات: 276
حجم الكتاب: 6.5 MB
مرات التحميل: 10556
علم السياسة هو من أحدث العلوم الإجتماعية، فلم يبرز كعلم قائم بذاته إلا خلال القرن العشرين. وإذا ما تمعنّا في دراسته، نجد أن العديد من المفاهيم والقضايا التي يعالجها، هي موضوع خلاف وجدال بين المفكرين السياسيين، وأن الشكوك تحوم حول مدي علمية هذا العلم بالذات. وذلك مرده إلي حداثة علم السياسة، وتنوع وتداخل المعطيات المكونة للظواهر السياسية من جهة؛ وإلي إنتماء الباحثين السياسيين إلي مذاهب فلسفية مختلفة، من جهة أخري.
إضافة إلي ذلك يبدو أن مفهوم السياسة قد علق به الكثير من الشوائب، نتيجة الممارسات السياسية الخاطئة، وتوسل السياسة من قبل البعض، من أجل تحقيق المكاسب الشخصية. وبما أن الظاهرة السياسية هي محور علم السياسة، فمن الضروري التعريف بالسياسة وإجلاء حقيقتها، قبل البحث في علم السياسة.
لقد إنطلقنا في وضع هذا الكتاب، من كون "مدخل إلي علم السياسة" مادة قائمة بذاتها، فتناولنا بالدراسة السياسة، ونشأة وتطور علم السياسة، ومعطيات الواقع السياسي، وموقع علم السياسة بالنسبة لسائر العلوم الإجتماعية، وموضوع علم السياسة، ومناهج البحث السياسي، كما تناولنا أهم الظواهر السياسية، وهي السلطة السياسية والدولة والديمقراطية. وقد تجنبنا معالجة المواضيع التي تدرّس في نطاق مواد التدريس الأخري، المقررة في برنامج الإجازة في العلوم السياسية والإدارية، منعاً للإزدواجية.
إن غاية هذا الكتاب هي توضيح المفاهيم السياسية، والمساهمة في نشر الثقافة السياسية، ومساعدة الطلاب علي ولوج علم السياسة، وإعدادهم إعداداً علمياً صحيحاً.
لقد علق بالأذهان، منذ القدم، بعض الأفكار الخاطئة عن السياسة؛ فقيل "ما دخلت السياسة شيئاً حتي أفسدته". ولعل ذلك عائد إلي توسل السياسة، من قبل البعض، لتحقيق مصالح شخصية ضيقة وآنية، والخروج بالتالي بالسياسة عن أهدافها الأساسية السامية. فغدت السياسة مع هؤلاء مجرد صراع علي النفوذ من أجل الكسب المادي والمعنوي. صراع ينتج عنه تمزيق المجتمع وتفتيته، في حين أن السياسة، بمعناها الصحيح، تهدف إلي توحيد وتماسك المجتمع وتحقيق الخير العام. فارتباط السوء بالسياسة، أحياناً، لا يعني أنه ملازم لطبيعتها، إنما هو كامن بالأشخاص الذين يمارسونها ويحرفونها عن غرضها. وهذه الممارسة تمثل الشواذ وليس القاعدة، لأن السياسة هي أسمي النشاطات البشرية، التي من خلالها يحقق الإنسان وجوده. لذلك لابد لنا من التعرف علي طبيعتها وممارستها وغايتها ووظائفها وأداتها الأساسية.
السياسة هي نشاط بشري، يمتاز به الإنسان عن سائر الكائنات الحية. وإطار هذا النشاط هو المجتمع. فالسياسة لا تكون في فراغ، والإنسان لا يستطيع أن يعيش منعزلاً، فالعزلة تعني الموت. والإنسان بمفرده لا يمكنه القيام بأي عمل، فكل جهوده تذهب هباءً وأمانيه تبقي مجرد سراب. وهذا ما رأه هوبس، عندما وصف الإنسان في الحالة الطبيعية، فقال أن حياته "منعزلة، تعيسة، خشنة، بدائية، قصيرة". فالعيش في جماعة مع الآخرين ضرورة تتطلبها الحياة الإنسانية.
والمجتمع لا يشكل إطار النشاط السياسي وحسب، إنما يعتبر المادة التي يعطيها هذا النشاط شكلاً معيناً. فالسياسة تعني تنظيم المجتمع وتحقيق وحدته وتدعيمها، وخلق المؤسسات التي يقوم عليها، وإعطاءه هيكليات وبنيات محددة، وسن القوانين والقواعد الحقوقية التي يرتكز عليها وتطبيقها. كما تعني تعديل وتطوير كل هذا وفقاً للتبدلات الحاصلة في الزمان والمكان، بغية تحقيق الغاية التي تطمح السياسة إليها. فبالسياسة يمكن للإنسان أن يحوّل المجتمع، ولكن ضمن حدود معينة تفرضها معطيات الواقع الإجتماعي، وبالسياسة أيضاً يتعزز وجود المجتمع ومن خلاله وجود الفرد.
بماذا تقيّمه؟