مليار عام من تطور الكون 14 نيل ديجراستايسون ودونالد جولدسميث

ظهر للنور مزيج جديد من المعرفة العلمية، وهو مستمر في الازدهار. ففي السنوات الاخيرة لم تأتنا إجابات الأسئلة المتعلقة ببدايات الكون من مجال الفيزياء الفلكية وحده؛ إذ أدرك الفيزيائيون الفلكيون - من خلال عملهم تحت مظلة مجالات ناشئة تحمل أسماءً مثل الكيمياء الفلكية والأحياء الفلكية وفيزياء الجسيمات الفلكية - أن بمقدورهم أن يستفيدوا استفادة عظيمة من التعمق في هذه العلوم الأخرى. فالاستعانة بفروع عديدة من العلم عند إجابة السؤال «من أين جئنا؟» يمد المتسائلين بنطاق واسع عميق من الرَؤى - لم يسبق تخيُّله من قبل - عن كيفية عمل الكون.

في هذا الكتاب نقدم للقارئ هذا المزيج من المعارف، الذي لا يمكِّننا من تناول موضوع بداية الكون وحسب، بل يمكِّننا من تناول بداية أكبر البُني التي كونتها المادة، بداية النجوم التي تضئ الكون، والكواكب التي توفر الأماكن المرجحة لظهور الحياة، إضافة إلي بداية الحياة نفسها علي واحد أو أكثر من هذه الكواكب.

يظل البشر مفتونين بموضوع البدايات لأسباب عديدة، منها المنطقي ومنها العاطفي. فنحن لا نستطيع فهم جوهر أي شئ ما لم نعرف من أين جاء. وكل القصص التي نسمعها، وتسرد لنا أصولنا، تخلف آثارا عميقة في نفوسنا.

إن نزعة التركيز علي الذات المتغلغلة في عظامنا، بفضل تطورنا وخبراتنا علي كوكب الأرض، أدت بنا علي نحو طبيعي إلي التركيز أساسا علي الأحداث والظواهر القريبة منا عند إعادة سرد أغلب القصص المتعلقة بأصولنا. ومع ذلك كشف لنا كل تقدم في معرفتنا بالكون عن أننا نعيش علي سطح ذرة غبار كونية، تدور حول نجم عادي، في طرف ناءٍ لمجرة من نوع شائع، ضمن مائة مليار مجرة في الكون. وتستثير حقيقة عدم أهميتنا الكونية مجموعة من الحيل الدفاعية المدهشة في النفس البشرية. فكثيرون منا يشبهون -دون وعي منهم- شخصاً في رسم كارتوني ينظر نحو السماء المرصعة بالنجوم ويقول لرفيقه "كلما نظرت إلي تلك النجوم اندهشت من مقدار عدم أهميتها".

علي مر التاريخ، نَبَعت من ثقافات مختلفة خرافات عن الخلق تفسر أصولنا كنتيجة لقوي كونية تشكل مصائرنا. وقد ساعدت تلك الحكايات علي درء مشاعر عدم الأهمية لي البشر.ومع أن كل قصص البدايات تبدأ في المعتاد بالصورة الكبري، فإنها سريعا ما تتجه صوب كوكب الأرض في سرعة مدهشة، وتمر مرورا سريعا بنشأة الكون، ومحتوياته جميعها، ونشأة الحياة علي الأرض، حتي تصل إلي تفسيرات مطولة لتفاصيل عديدة عن التاريخ الإنساني وصراعاته الإجتماعية، كما لو أننا -علي نحو ما- مركز الكون بأسره.