5 نجوم - 1 صوت
خالد بن هلال العبري
تصنيف الكتاب: كتب اللغة العربية
عدد الصفحات: 192
حجم الكتاب: 2.5 MB
مرات التحميل: 4267
انقسم الناس أمام منهج تصحيح الأخطاء اللغوية ومحاربتها في عصرنا إلي فرق عدة، ويمكن أن نتبين في مجتمعنا ثلاث فرق منها:
فريق يري أن العربي المعاصر صار يخاف أن يتكلم بالفصحي، فإن تكلم قام له من يقول: أخطأت، وإن أتي بما يراه حسناً قيل له: هذه اللفظة من الخطأ الشائع، وهذه العبارة فيها خروج عن القاعدة المعروفة…، فيرون من ذلك أنه لا داعي لهذه الضجة الكبري، فهذا تطور طبيعي للغة، ولا بأس بتوسيع المعاني، وإضافة بعض المعاني إلي كلمات لم تحملها من قبل، وإن لم يكن بين الكلمة والمعني الجديد رابط، ويرون أنه لا يُحكم بالخطأ إلا علي من خرج علي قاعدة نحوية أو صرفية معروفة، لذلك تجدهم يتوسعون في القياس جداً، ويصححون كثيراً من التراكيب والكلمات التي حكم بعض أهل اللغة والمجامع اللغوية - ونادراً ما تفعل المجامع ذلك - بخطئها.
وفريق ثانٍ يري أن الأمر قد استفحم وتفاقم، واتسع الخرق علي الراقع، وأننا صرنا أمام صدع لا يُرجي رأبه، فليُترك الأمر علي حاله، فاللغة قادرة علي أن تحمي نفسها، فاللحن ليس أمراً جديداً عليها، لذلك تراهم يتجاوزون عن زلات الكُتّاب والخطباء، مع عدم رضاهم في قرارة نفوسهم عن هذا الأمر، لذلك فقد شاع علي ألسنتهم (خطأ مشهور خير من صواب مهجور).
وفريق ثالث يري أن من واجب العربي الغيور علي لغته؛ أن يتحري في كلامه الصواب، وأن لا يجد في نفسه غضاضة أن يعود إلي الصواب بعد أن يقال له: أخطأت، ويرون أن من واجبه أن يبحث عن الخطأ بنفسه، وأن يعلم: لماذا خطّأ أهل اللغة هذا وصوّبوا ذاك؟
ولنا في هذه المسألة رأي وهو: أن انتشار الخطأ وشيوعه ليس هو المرض نفسه؛ بل هو عرض من أعراضه ونتيجة من نتائجه، فلا يستسيغ عقل أن نصنع كل دواء لمعالجة العرض ونُعمي أبصارنا عن المرض، إن السبب الأول لشيوع الخطأ في عصرنا هو: خوف العربي من تعلم مبادئ لغته، واستصعابه لعلومها الشريفة، من نحو وصرف وبلاغة.
لقد افتقدنا في أيامنا هذه المهندس اللغوي، والطبيب الشاعر، والمهلم المتذوق للشعر، وصارت حُجتنا في تبرئة أنفسنا: التخصص، فهذا محامٍ وليس لغوياً، وذاك موظف وليس من أهل الصرف، ونحن لا نُنكر ما للتخصص من أهمية في إتقان العلوم والتبحر فيها، ولكن ما لا يدرك جُلّه لا يترك كلّه، وإتقان العربية قاعدة تُبني عليها بقية العلوم، ونحن لا نطلب المستحيل.
وواقع الأمر أن هِمَمَنا قد ضَعُفت وعزائمنا قد قَصُرت، وصرنا نركن إلي السهل الذي لا عناء في تحصيله، حتي وصلنا إلي مرحلة صار التحدث فيها بالفصحي تكلّفاً، ومحاربة الخطأ اللغوي الشائع مغالاة، وصار جمع كبير ينادي بتبسيط النحو، وحذف كثير من مباحثه.
والذي نراه أنه يجب علي العربي أن يُلِم بالقواعد العامة للغته، من مجرورات ومنصوبات ومرفوعات، وأن يتعلم من لغته ما يستطيع أن يميز به بين كلامه وكلام الأعاجم، وما يعينه علي تلاوة القرآن الكريم، وما يسعفه إلي فهم ما يقرأه من كلام رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ومن شعر العرب وسائر الكتب في مختلف فنون العلم.
بماذا تقيّمه؟