5 نجوم - 1 صوت
د/ محمد بركات
تصنيف الكتاب: كتب اللغة العربية
عدد الصفحات: 164
حجم الكتاب: 4.3 MB
مرات التحميل: 4482
عُرفت - منذ قديم - البلاغة العربية برجالها ومؤلفاتهم، وبالقضايا التي أثاروها وشروحها حول البيان العربي، والبيان القرآني، فكانت طوائف النجاة واللغويين والأدباء والنقاد وأهل الدرس الفلسفي والإعتزالي، وأصحاب الدراسات الإعجازية للقرآن الكريم، والذين اهتموا بالمجازات النبوية.
ثم جاءت أصول تراثية في البيان العربي، قد رسخت وأخذت في توجيه فن القول العربي، وتفسير الإعجاز القرآني الكريم، ونفذت هذه التيارات إلي نفوس الدارسين والمشتغلين بالبيان، حتي قيل إن "علوم البلاغة لم تنضج ولم تحترق" ومعني ذلك أن اتجاهات واضحة قد استمرت مع الزمان واختلاف المكان، تُشكل الفن البياني.
لو حاولنا أن نُلم بهذه الإتجاهات وظواهرها في العصر الحاضر، للاحظنا أنها تدور في: البلاغة القرآنية، والإتجاه الأدبي، وآخر نقدي، ورابع فلسفي، وكلها لها رسوم ومعالم واضحة، ومؤلفاتها تتراءي في حشد كبير في المكتبة العربية في العصر الحاضر.
نقف أمام هذه الظاهرة اللافتة، لنقول إن أمر البيان العربي في العصر الحالي بإتجاهاته ورجاله وقضاياه يستحق الدرس، والتأمل، ولمّ الشت إلي شتيته، والرفيق إلي رفيقه، بصورة متوائمة مع الحياة الحاضرة، تلك التي لا تنقطع عن القديم لقدمه، ولا تتنكر للحديث لحداثته.
بل تهتم بالنافع المفيد من القديم، ليتحقق مفهوم المعمارية في البلاغة، ثم الإهتمام بالحديث، نستفيد من قيم الماضي في توظيفها لأبناء الجيل المائل، والإنتفاع بتجديد البلاغة والتخطيط لسياستها في المستقبل.
ينبغي أن نصل الحديث بالقديم في تصور اتجاهات البلاغة في العصر الحاضر، وبهذا يكون الدرس قد نما من حقائق، لا أن يتضخم في فراغ، ويكون كالزنيم الذي يُناط في غير أهله، فينتابه الذُعر والخوف من أي سائل أو متردد، ولا يقوي أمام الحجج والرفض، بل ينبئ عن نفسه بقوة حياته التاريخية، ومسيرته التي يلتف حولها الشهود والعيان.
فلا أقل من أن نؤكد هذه النظرة متخذين الإستقراء والتحليل، دليلاً لنا، ثم إبراز الملامح والسمات التي تنبثق من مادة سليمة، وحقائق موضوعية. ويساعدنا علي ذلك كله التركة البلاغية الكبري التي نالت حظاً وافراً من الدارسين في النهضة الأدبية الحديثة.
ولا جرم أن كثيراً من الدارسين في الجامعة وخارجها قد أسسوا لمثل هذه الإتجاهات، ولكن صدور المولفات الكثيرة في عصر الطباعة والتكنولوجيا، جعل الحديث عن اتجاهات البلاغة في العصر الحاضر ملحاً بين الفترة والأخري، بحيث لا تطول هذه الفترة، حتي تواكب هذه الإتجاهات ما يستجدّ في محيط التأليف البلاغي.
ولا ريب أن هذه المظاهر البلاغية في العصر الحاضر، تستحق معاودة النظر، والإستنتاج والتوجيه، والتقويم، والإستفادة من المعارف التي تعدّي من خلالها، وفي أثناء ذلك نواكب لوناً من ألوان المعرفة الأصيلة المعاصرة، ونتعرف إلي فن من الفنون الإنسانية، التي تتصل بفن القول العربي الذي يمثل الأمة العربية الإسلامية، ويتصل بكتاب قرآني كريم وهو كتاب المسلمين.
وبهذا تكون البلاغة العربية وسيلة وغاية في آنٍ معاً وذلك إذا وقفت عند الكشف عن جماليات فن القول العربي، وتكون وسيلة إلي غاية أخري، إذا اتصلت بالكشف عن إعجاز القرآن الكريم. ولا يعني هذا الفصل بين الوسيلة والغاية؛ بل توضيح إلي رأي من أراد أن يجعل البيان العربي في إطار فن القول العربي، وتفسير لمن حرص علي أن يكون الدرس البياني وسيلة لخدمة القرآن الكريم، ولكلٍ حجج ودلائل، وأسرار، ومناهج، وغاية ونهاية، ومن أجل ذلك كانت صناعات لهذا الفن، واتجاهات وآراء، وأفكار، وقضايا، وأعلام.
وتجلي من ضوء ذلك حديث القديم والجديد، والطريف والتليد، ولكل أنصار، ولا يستمر بعد ذلك إلا الإتجاه الصحيح المبني علي الحيدة والإنصاف، وعدم الإنصاف، وعدم الإنصراف عن الحق من أجل نزوة، أو عصبية، أو دعوة مشبوهة، أو ميل، أو جنف، أو غير ذلك مما يُسمع في الساحة الحاضرة.
بماذا تقيّمه؟