5 نجوم - 1 صوت
عدنان بن ذريل مراجعة حسن حميد
تصنيف الكتاب: كتب اللغة العربية
عدد الصفحات: 228
حجم الكتاب: 3.7 MB
مرات التحميل: 5340
إن المحاولات مستمرة اليوم في تأسيس (علم اللغة)، في تراثنا العربي الحديث، وعلي الخصوص في اتجاه تطوير (فقه اللغة) العربي القديم، وسائر العلوم اللغوية العربية القديمة.. وأن تجدد الحياة العربية، والحضارية، والعمرانية، والثقافية والأدبية يسمح اليوم بهذا التطور العلمي، الأمين..
ولئن فرق (دي سوسور) بين اللغة والكلام كما رأينا، وفتح المجال أمام تبين أصالة الظاهرة اللغوية، وتطورها، سواء ما يتعلق منها بالصوت، أو الدلالة، أو قدرة المتكلم علي التعبير اللغوي.. فيمكننا اليوم، من أساس علمي، تبين أحوال (اللغة العربية) عند المتكلمين بها، وبحث مقوماتها، وعناصر التعبير فيها، في منظوماتها الصوتية، والدلالية المختلفة.
إن الجهود العربية في (علم اللغة) لا تزال إلي اليوم أولوية.. والأشواط التي قطعها علماؤنا ولغويونا في ذلك لا زالت بدائية، وعاجزة عن أن تلبي حاجات العلم والحياة الحديثين.. في حين أن (علم اللغة) الحديث، عند الغربيين نهض نهضة علمية، مرموقة، وعلي الخصوص بفضل المنهج البنيوي، والشروح البنيوية، والتي كما رأينا بلغت حد الطرف، والبداعة عندهم..
إن اللغة العربية تحمل من التجربة العربية كثيراً من اللواقح النفسية، والإجتماعية، والطبيعية.. والتي لابد من تقري أحوالها، بمنهجية علمية، وتحليلها بأمانة تامة..
مثل ذلك أن تصريف الأفعال في اللغة العربية يقوم علي الاشعار بالذات الفاعلية، أو أيضاً المتكلمة، علي نحو قولنا: فعلت، أفعل (أنا)، فعلت، تفعل (أنت)، فعلنا، نفعل (نحن)، فعل، يفعل (هو)، فعلت، تفعل (هي)..
وقديماً لاحظ (ابن جني) علي العرب: تقديمهم لحرف المعني في أول الكلمة، وذلك لقوم العناية به، فقدموا دليله، ليكون ذلك أمارة لتمكنه عندهم، وعلي ذلك تقدمت حروف (المضارعة) في أول الفعل، أو كن دلائل علي الفاعلين كيف هم، وكم عدتهم، نحو أفعل وتفعل، ونفعل، ويفعل.
بينما العديد من اللغات الأجنبية يستعمل حروفاً للدلالة علي المتكلم، هي ضمائر Je Tu ..، ثم تتصرف بنهايات الصيغة الدالة علي الفعل، لتدل علي زمن الحدث في الماضي، أو الحاضر، أو المستقبل. وهي عندهم ذات لونيات دقيقة نشعر بإنجاز الفعل، أو استمراره، أو المضارعة فيه، مما يفتقد بعضه عندنا.
يضاف إلي ذلك، أن الإسناد في لغتنا مباشر، وله عوامل ظاهرة وأخري ضمنية، ولا يعتمد علي أفعال الوجود (Etre)، أو الملك (Avoir).. إن الجملة في اللغة العربية إما اسمية أو فعلية، وفي كلتا الحالتين لا رابطة غير المعني تربط بين أجزاء الكلام فيها، ويشعر الأعراب به.. مما سنحاول عرضه، وشرحه بتفصيل في الفصول التالية، مع تحديد موقف العلم اليوم من مسائله المختلفة.
يحاول عدد من الدارسين اللغويين الإستمرار في اصطناع مصطلح (فقه اللغة) العربي القديم، أو تطوير المقصود من اليوم، بما يتلائم مع الحال المتطورة، والخصبة التي عليها العلوم اللغوية.. وقد كان ما يسمي بـ (الفيلولوجيا) عند الغربيين القدامي يقابل فقه اللغة وقتها، وهو علم كان يدرس اللغة في أدبها، ونصوصها ومفرداتها دراسة نقدية، وتاريخية ومقارنة..
بماذا تقيّمه؟