5 نجوم - 1 صوت
د/ محمد حماسة عبد اللطيف
تصنيف الكتاب: كتب اللغة العربية
عدد الصفحات: 200
حجم الكتاب: 6.3 MB
مرات التحميل: 4283
تلتقي في البحث اللغوي المعاصر مناهج النحو ومناهج الدلالة، بحيث صار يجمعهما في بعض الإتجاهات العلمية منهج واحد. وتكاد مشكلات هذا المجال تدور حول الإجابة عن هذه التساؤلات: ما الفروق الدقيقة، إن وجدت، بين الظواهر النحوية والدلالية؟ وإذا كانت هناك فروق، فما العلاقة بين العناصر النحوية والعناصر الدلالية للقواعد؟ ومن ثم، أيجب أن يعمل العنصر النحوي بوصفه مُزوداً داخلياً input للعنصر الدلالي؟ وأي عنصر نحوي يقوم بذلك: العنصر العميق أم العنصر السطحي؟ أو أيجب أن يعكس الوضع بحيث ينظر إلي العنصر الدلالي بوصفه ناتجاً أو مخرجاً output للعنصر النحوي؟ وهماك دراسات كثيرة في الوقت الراهن حول هذه التساؤلات، وهي تكشف تعقد البحث في هذا المجال وأهميته في الوقت نفسه.
ومن هنا كانت ضرورة البحث في إلتقاء "النحو والدلالة" غير أنني قصدت منه إلي أمرين: أولهما الكشف عن هذا الجانب المهم في تراثنا النحوي، ومدي اهتمام علمائنا القدماء به، وثانيهما أن يكون هذا البحث - وهذا هو الغرض الأهم - مدخلاً لدراسة "المعني النحوي الدلالي" حتي يعود للنحو العربي دوره الفعال في فهم النص وكشفه. وقد كان النحو العربي منذ نشأته الأولي مهتماً بالمعني، يعتد به وبدوره في التقعيد. وهناك تفاعل قائم مستمر بين الوظيفة النحوية والدلالة المعجمية للمفرد الذي يشغل هذه الوظيفة. ويشكل هذا التفاعل بينهما، مع الموقف المعين، المعني الدلالي للجملة كلها. والجملة هي الغاية الأولي لكل نظام نحوي، إذ يعمل علي كشف تركيبها، ويحاول أن يربط بين الصورة الصوتية المنطوقة لها والمعني المراد منها من خلال النظام العقلي الذي يحكمها. والنحو من اللغة كالقلب من الجسم الإنساني - كما يقول تشومسكي - وإذا كان القلب يمد الجسم الإنساني بالدم الذي يكفل له الحياة؛ فإن النحو يمد الجملة بمعناها الأساسي الذي يكفل لها الصحة ويحدد لها عناصر المعني.
ولقد ظهرت دراسات مستقلة في العربية عن علم الدلالة، فضلاً عن فصول خاصة بها في بعض كتب علم اللغة. وقد انحصر جهد أصحاب هذه الدراسات - مع قلتها - في دلالة المفرد المعجمية منذ أول كتاب صدر في هذا الفرع من العلم سنة 1958م - وهو كتاب دلالة الألفاظ للدكتور إبراهيم أنيس - إلي آخر كتاب صدر في هذا الفرع حتي الآن، وهو كتاب "علم الدلالة" 1982م للدكتور أحمد مختار عمر. ومع أهمية البحث في هذا الجانب وضرورته في واقع الأمر، فإننا لا نتكلم بالمفردات بل بالجمل، ودلالة المفرد المعجمية تتوقف عن استعماله في تراكيب مختلفة، أي في علاقات نحوية، حتي إن بعض علماء اللغة المحدثين يري أن معني كلمة ما لا يمكن تحديده إلا بمعرفة معدل الاستعمالات اللغوية من ناحية ومعدل استعمالات الأفراد والفئات في مجتمع واحد من ناحية أخري. ومعدل الاستعمالات اللغوية يعني حصر التراكيب التي ترد فيها الكلمة. أي أنه يريد أن يقول إن الوصول إلي المعني الحقيقي للكلمة يكاد يكون مستحيلاً، ولذلك تبقي الحاجة إلي البحث في الدلالة التركيبية أو "المعني اللغوي الدلالي" ملطباً قائماً ملحاً.
بماذا تقيّمه؟