0 نجمة - 0 صوت
د/ محمد عماد الدين اسماعيل
تصنيف الكتاب: كتب علم النفس
عدد الصفحات: 508
حجم الكتاب: 14.5 MB
مرات التحميل: 3113
إن الحقائق المتعلقة بأهمية النمو في مرحلة الطفولة لم تتضح، في الواقع، إلا منذ فترة قريبة جداً في تاريخ الحضارة الإنسانية. فإذا تتبعنا نشأة العلوم وتطورها، نجد أن العلوم الطبيعية كانت قد نشأت واستقرت كجزء من التراث الثقافي للإنسان، قبل أن تبدأ أبسط الدراسات العلمية للسلوك البشري. وليس معني ذلك أن الإنسان لم يفكر أو يتأمل في طبيعته البشرية إلا مؤخراً فقط. فقد نشأت تأملات وفلسفات وأنواع أخري من التفكير، في أهمية خبرات الطفولة وأثرها في تفكير الكبير، وفي سلوكه الإجتماعي. لكن الذي نريد أن نؤكده هنا، هو أن ثمة دراسات علمية، بالمعني الصحيح لهذه الكلمة، لم تنشأ قبل بداية القرن العشرين.
وعلي أية حال مهما كانت الأسباب التي أدت إلا تأخر البحث العلمي في ميدان النمو النفسي للطفل، إلا أن هذا الميدان قد أصبح الآن من أهم الميادين التي تعني بها الدراسة العلمية. وكما تحدثنا عن الأسباب التي أدت إلي تعويق البحث العلمي في هذا الميدان، فإنه يحلو لنا أيضاً أن نعدد الأسباب التي تجعل منه مركز اهتمام الدارسين الآن. فقد أثبتت الدراسات الإكلينيكية وكذلك الملاحظات التجريبية التتبعية، أن السمات الأساسية للشخصية عند الكبير، ما هي إلا امتداد لتأثير الخبرات الطفولية المبكرة التي سبق أن مر بها. وإذا كانت السمات الشخصية للفرد نتاجاً لخبراته الطفولية، فإنه يبدو من المنطقي أيضاً أن تكون أشكال السلوك المميزة لمجتمع بأكمله نتاجاً لنفس الأسباب، ويمكن تفسيرها بنفس الطريقة.
ولا شك أننا في حاجة إلي تعريفنا بالأسباب التي أدت إلي نمو مجتمعنا علي النحو الذي هو عليه. وإذا صح المنطق المعروض سابقاً، فإن معرفتنا هذه إنما تتحقق عن طريق معرفة الظروف والعوامل التي تؤثر في نمو الطفل. ولا شك أيضاً في أننا بحاجة إلي إحداث تغييرات كثيرة في هذا المجتمع، إذا أردنا أن نصل إلي الأفضل. والعلم الذي يضه أيدينا علي العوامل المسئولة عن ظاهرة النمو هذه، هو نفس الذي يستطيع أن يتنبأ لنا بنوع التناول الذي يجب علينا أن نقوم به بالنسبة للطفل إذا أردنا أن نحقق له ولمجتمعه ذلك المستقبل الأفضل، وما هذا الكتاب إلا محاولة لتحقيق هذين الهدفين: معرفة العوامل المؤثرة في النمو النفسي الاجتماعي للطفل، واستعراض كامل الظروف التي يمكن أن توفر للطفل الرعاية المثلي في سبيل مستقبل أسعد.
ولم يكن ذلك، في الواقع، أمراً سهلاً. فقد كان أمامي مطلبان رئيسيان لكي يأتي هذا الكتاب محققاً للأهداف التي وضع من أجلها. المطلب الأول هو أن يكون الحديث عن الطفل العربي، وليس الأوروبي أو الأمريكي. أما المطلب الثاني فهو أن تجئ المادة المعروضة هنا، في إطار نظري موحد يجعل منها جسماً متكاملاً من المعرفة، فيسهل فهمها ويحسن استيعابها.
يشتمل الكتاب علي أربعة أبواب، يتناول الباب الأول منها الوضع النظري، أي المفاهيم والقضايا والمبادئ والنظريات التي تتعلق بعملية النمو، ثم الإطار النظري المشار إليه في الفقرة السابقة. أما الأبواب الثلاثة الأخري فيتناول كل منها مرحلة من مراحل النمو التي تبدأ من قبل الميلاد وتنتهي عند سن السادسة. وبذلك يكون الجزء الأول قد تناول تلك المراحل من حياة الطفل، التي يمكن أن نسميها بالمراحل التكوينية. ذلك أن السنوات الست الأولي في حياة الطفل هي تلك التي توضع فيها الدعامات والقواعد الأساسية التي يُبني عليها التنظيم العام لشخصيته مستقبلاً.
بماذا تقيّمه؟