سيكولوجية الطفل ، علم نفس النمو

إذا كنت مقبلاً علي هدية الإنجاب لأول مرة، أو كنت طالباً أو مواطناً يحب التثقف وتود أن تعرف شيئاً عن علم نفس الطفولة، فأنت تتصفح مؤلفاً نأمل أن يفيدك.

معجزة تطور المخلوقات من أجسام ووظائف أولية بسيطة في بداية حياتها إلي أنظمة معقدة شديدة التركيب عند نضجها مازالت هدف بحث العلماء ورصدهم. وسواء تكلمنا عن ميلاد الكون كله أو ميلاد طفل، ثم استمرار كلاً منهما علي الحياة لإرتباطها بالبيئة وبالزمن، فإننا في كل الحالات نتكلم عن مهيئات هذه الحياة. وإذا كان للجوامد في الطبيعة بداية وأجل، فما بالك بالكائنات الرقيقة التي لا تعتمد علي الرعاية والعناية لكي تستمر في النمو نضرة سليمة بدون معوقات؟

موضوع الطفولة إذن هو النمو، والنمو معناه الإرتقاء الكمي والكيفي للأشياء. فالطفل الوليد والقطة الصغيرة كلاهما يزداد حجماً أولاً. ويحدث ذلك عن طريق تناسل كل الخلايا بجسميهما. وهذا هو الإزدياد الكمي (طولاً وعرضاً ووزناً). ثم تتسع وظائفهما ثانياً وتتعقد بمرور الزمن. فالطفل يتعلم كيف يتكلم وكيف يبحث وكيف يستجيب، والقطة تتعلم كيف تفتش عن غذائها ومأواها ومتي تتسلق ومتي تهاجم. وهذا هو التطور الكيفي. ازدياد الحجم وعدد الوظائف في الكائن الحي النامي إذن هو النمو.

وللنمو اتجاهان واضحان. نمو فيزيقي (جسمي) ونمو سيكولوجي (نفسي). وتتعلق سيكولوجية الطفولة بهما معاً، لأننا نادراً ما نشاهد أحدهما يستقل عن الآخر إلا في حالات قليلة. فيحدث ذلك نفسياً في التخلف العقلي أو الثقافي، أو يحدث جسمياً في النضج المبكر precocious maturity أو في النضج المبتسر physical immaturity. ففي المثل النفسي نجد أن جسم الطفل ينمو بالسرعة المعهودة إلا أن تفكيره وانفعالاته وتصرفاته ينقصها النضج المرتقب بالتقدم في العمر، فلا يوازي نضجه الجسمي. أما عند المثل الجسمي فيكون العكس صحيحاً. لأن الطفل يسبق الآخرين في وصوله إلي النضج الجسمي وعقله مازال طفلاً (النضج الجسمي المبكر) أو يبقي جسمه ضئيل الحجم بينما يتقدم عقله نحو النضج بنفس سرعة أقرانه (النمو الجسمي المبتسر). إلا أن بعض الأطفال (99% من تعدادهم) لا يتعرضون لهذه الإحتمالات. النمو في الطفولة إذن مظهر وردي لا تلزمه إلا الرعاية السليمة.

النمو:- يتحدد السلوك الآدمي عن طريق عاملين أساسيين هما طبيعة تكوين الفرد وطريقة نموه أولاً. ثم نوع تفاعل هذا الهيكل وكل وظائفه مع العوامل الأخري خارجه، والتي تعرف ببيئته. وهذا المحيط المتحرك (بيئته) لن يكون مصدر غذائه الجسمي فقط، بل غذائه العقلي والنفسي أيضاً (ثقافته). لذلك يهمك أن تعرف أولاً كيف يرث خصائصه من والديه والأجيال التي سبقتهما؛ ثم كيف تلعب الوراثة دوراً كبيراً في نوع هذا التكوين الحي في تطوير خصائصه الوراثية، بحيث تصيبها إما بالتحسن إن كانت غير سليمة (عن طريق غذاء مصحح أو عقاقير معالجة) أو بالتدهور حتي وإن كانت سليمة أصلاً (بالإفتقارإلي ضروريات الحياة المادية أو النفسية). والآن تتعلم كيف ينمو الكائن الحي الصغير، حتي تتعرف علي العوامل التي ستصنع منه كائناً أفضل، بدلاً من كائن حي ينمو ولا غير.