0 نجمة - 0 صوت
د/ عبد العلي الجسماني
تصنيف الكتاب: كتب علم النفس
عدد الصفحات: 230
حجم الكتاب: 5.2 MB
مرات التحميل: 5806
يعالج بياجيه في مؤلفه هذا طرائق التعليم المتبعة اليوم، فيشبهها بـ (التغذية قسراً) وهو بهذا يؤاخذ المعلمين علي اتباعهم في الغالب طرائق بالية في التدريس، غير آبهين بما يكون عليه المتعلم من تطور عقلي وانفعالي - وهو يري أن الإهتمام والتركيز علي المعرفة دون من يعرفها، تعتبر أهم الأسباب التي تعوق نمو حياة الطفل العقلية وتحطم روحه المعنوية فهو يدعو المعلمين أينما كان موقعهم أن يقرأوا أحدث ما جد في علم النفس وأن يعكسوا هذا في حسن تفهمهم للمتربي وأن يبدعوا في الطرائق التدريسية، وليس هناك من بين المتخصصين في علم النفس وما يسديه من تطبيقات تربوية، أو ممن يعنون بالتربية ومعطياتها الإجتماعية من لا يعرف من هو جان بياجيه (1896) العالم النفساني السويسري المعاصر.
فهو في كتابه هذا يشخص الأخطاء ويقترح البدائل السليمة. وهو يعالج أحدث المشكلات التربوية بأحدث الأساليب القائمة علي التجربة والخبرة الطويلتين مع شمول في النظرة إلي التربية بأوسع معانيها، كل هذا مع محاولة جادة للنفاذ إلي أعماق ذهن المتعلم وكيف ينشط عقله لإكتساب المعرفة.
لبياجيه أسلوبة الخاص بل وفي الغالب له مصطلحاته وتعابيره المميزة فهو أحياناً يلجأ إلي الرمزية والمجاز ويترك إلي القارئ إدراك ما يرمي إليه. وهو تارات يستخدم جملة محدودة الألفاظ لكنها تتطلب عند تعريبها ما يتساوي وذوق القارئ العربي. وما أكثر ما استعمل جملة تؤلف فقرة بذاتها. فهو في أحيان يستعمل لفظة واحدة بمعان متفاوتة ضمن السياق الواحد فلفظة (intuition) واشتقاقاتها مثلا يستعملها بمعني حدس وبمعني تبصيري طوراً، وبمعني إلهام أو إلهامي تارة، وبمعني بديهي أخري، لكن من ألف كتابات بياجيه لا يخطئ مراميه.
ودعوتي المخلصة إلي زملائي في المهنة، المعلمين والمعلمات الإطلاع علي ما كتبه بياجيه فهو بحق نصير الطفل الذي ينبغي أن نفهمه وهو في أطوار نمائه المتلاحقة المتداركة وإن ما ألف هو أو ما ألفه سواه من المعروفين جيداً في مجال علم النفس، ليبصرنا بتنشئة فلذات أكباد الأمة، ويمكننا من إنقاذ مهماتنا التربوية وما نتوخاه منها من أهداف اجتماعية.
عندما يتصدي المرء لمهمة صعبة يحاول مثل تلخيص ما مرت به التربية والتعليم من تطور خلال حقبة الثلاثين عاماً المنصرمة، بل حينما يواجه مسألة أصعب، تلك هي محاولة تقييم ما طرأ من تقدم في التربية وفي علم النفس أبان تلك الفترة فإن الفرد ليجد نفسه مأخوذاً بما هو قائم من عدم توازن لا يزال ماثلاً، لم يتضاءل منذ عام 1935م، ويتمثل عدم التوازن هذا بين غمرة الجهود المكثفة التي بُذلت في مجالات التربية، وبين انعدام التجيد في طرائقنا المتبعة، وفي برامجنا، وفي ميادين ما يتحدانا في مواقفنا من مشكلات، بل وفيما يواجهنا في التربية ككل بوصفها علماً موجهاً.
إن تقصي تطور التربية منذ عام 1935م حتي الوقت الحاضر يشتمل علي الإحاطة بما طرأ من تقدم كمي هائل حصل في مجال التعليم العام، مع ملاحظة ما هناك من تحسن نوعي محلي، وبخاصة في المجالات التي تم فيها تشجيع مثل هذا التحسن، لما حصل خلال تلك السنين من تطورات سياسية واجتماعية، ولكن قبل كل شئ - بصرف النظر عن كل تلك المقدمات التي قد تغير من وجه الصورة بعض الشئ - فإن هذا معناه علينا أن نسأل أنفسنا: لماذ لم يحرز علم التربية إلا تقدماً ضئيلاً إذا ما قارناه بالتطورات الجديدة الواسعة التي جدت في علم نفس الطفل وفي علم الإجتماع.
بماذا تقيّمه؟