0 نجمة - 0 صوت
د/ نبيل حداد
تصنيف الكتاب: كتب الإعلام
عدد الصفحات: 264
حجم الكتاب: 3.6 MB
مرات التحميل: 4058
من الضروري القول بداية، إن الكتابة - بصورة عامة - نوعان: وظيفية وإبداعية. وما نعنيه بالوظيفية تلك الكتابة المرتبطة بوظيفة توصيلية فحسب؛ ولا تهدف من ثم إلي غرض جمالي. ومعني هذا أن المسألة مرتبطة بوظيفة اللغة؛ فوظيفة اللغة في الأدب تشكيلية جمالية في المقام الأول، أي أن غايتها التصوير إلي جانب وظيفتها التوصيلية، حيث إن للغة وظيفة في الحياة عامة، وهي الكلام؛ أي أن في اللغة جانباً نفعياً أو صناعياً من جهة وهناك من جهة أخري جانب جمالي، ولتقريب ذلك إلي الأذهان نقول: لدينا طاولة ما، مثلاً يمكن أن تكون مفيدة في الإستعمال، بل تؤدي كل الوظائف التي يمكن أن نحتاج إليها؛ فهي ملساء، ذات علو مناسب. مصنوعة من الخشب العادي، وكلفة شراءها منخفضة، وفي الجانب المقابل لدينا طاولة أخري مصنوعة من خشب البلوط، ومطلية بدهان "البوليستر"، وفي مقدمتها شكلان يمثلان أسدين مذهَّبين، إنها ببساطة تساوي، في سعرها، مئة طاولة من النوع الأول، وكلتا الطاولتين تؤدي الوظيفة نفسها، وربما كانت الطاولة الأولي أدعي إلي الراحة، ولكن منفعة الطاولة الأولي تنتهي عند حد الغاية الصناعية. في حين يمتد هدف الطاولة الثانية إلي عطاء من نوع آخر لا يتصل بالغاية النفعية؛ إنه عطاء جمالي، يخاطب الحاسة الجمالية لدي الإنسان، وربما كان هذا أمراً حسناً في الطاولة ولكنه ليس ضرورياً.
ولا يختلف المثال كثيراً في توضيح الفرق بين اللغة الجمالية والكلام؛ فاللغة الجمالية أو الأدبية تتوخي غايتين: غاية أدبية وأخري توصيلية، وربما ذهب بعض النقاد إلي التعامل مع بعض النصوص الأدبية علي أن اللغة فيها غاية في ذاتها، ولسنا بصدد نقاش كهذا، ولكن حسبنا الإشارة إلي الناحية الأساسية في موضوعنا وهي ازدواجية الوظيفة للأداء اللغوي الأدبي، وأحادية الوظيفة للأداء اللغوي الوظيفي، ولمزيد من توضيح المسألة نسوق المثال الآتي: في الكتابة الوظيفية تقول: إن رمش عين فلانة طويل جداً، لكن المعني ورد بتعبير مختلف في "يوميات نائب في الأرياف"، لتوفيق الحكيم: إن رمش فلانة يفرش فداناً، والفرق واضح بين التعبيرين، فالأول حيادي أما التعبير الثاني فهو إيحائي شعوري، يخاطب الوجدان مثلما يخاطب العقل. وبعضهم يعبر عن المسألة تعبيراً آخر حين يتحدث عن الفرق بين الأداء التقريري والأداء التصويري.
وهناك عناصر أخري يمكن أن نحكم بموجبها علي مكانة العمل الكتابي؛ ولعل من أبرزها الأسلوب، ونعني به الطريقة أو المنهج الذي يتبعه الكاتب في سرد جزئيات موضوعه، ولاشك في أن الأسلوب يشتمل علي عناصر عدة، منها اللغة التي يستعملها الكاتب ثم البناء الذي يعتمده تصميماً لموضوعه، وقد يشتمل الأسلوب علي الأساس الذي تقوم عليه عملية انتقاء الوقائع أو الجزئيات التي يسرد الكاتب من خلالها موضوعه.
ومن ضمن شروط الأسلوب الوضوح في التعبير ولا سيما الوظيفي، ولعل الوضوح واحد من أهم شروط النص الوظيفي الناجح؛ فالنص الوظيفي يتوخي - كما تدل التسمية - غاية توصيلية، ومن البديهي أن أي تشويش، كالغموض مثلاً، من شأنه أن يعوق تحقق الهدف المنشود من النص نفسه.
بماذا تقيّمه؟